نقرت حماتي الباب و سألتني..
" ريحان.. بدي زور جارتنا الدكتورة.. بدك تجي معي؟ "
" أكيد.. شوي و بكون جاهزة "..
الدكتورة غادة.. جارة طيبة لأهل زوجي.. طبيبة أطفال.. كبيرة بالعمر شوي.. عندها ثلاث شباب بيدرسو طب بأميركا.. و بنت صبية بالبيت بتدرس علم نفس..
ما صار و زرتها ببيتها.. كانت العلاقة معها مجرد سلام على درج العمارة..
اليوم كانت أول مرة بتعرف عليها عن قرب..
زيارة مع حماتي و دردشة عامة مع فنجان قهوة
حبيت الهدوء و الدفا اللي ببيتها.. ابتسامتها.. و تواضعها..
لفت نظري مكتبة كبيرة بمدخل الصالون.. طويلة و عريضة.. لمحت العناوين المكتوبة عالأغلفة بشكل سريع.. توقعتها تكون كتب طبية.. لكنها كانت عناوين مختلفة و ملفتة..
هية عم تدردش مع حماتي و انا عم اخطف نظرات قصيرة لحاول شوف عناوين أكتر
بعدين انتبهت الدكتورة غادة لنظراتي.. ابتسمت و قالت..
" حبيتي المكتبة يا ريحان؟
فيكي تتصفحي شي من الكتب لو حبيتي "
فرحت
و شكرتها.. ما انتظرت.. مشيت للمكتبة و مررت أصابعي على الكتب.. شدني واحد من العناوين
تجرأت و سألتها لو فيي استعير الكتاب
بوجه بشوش قالت..
" ولو.. ما في مانع.. أهلا وسهلا.. "
و هيك.. مع استعارة الكتب.. كترت زياراتي لبيت الدكتورة غادة.. مرة تكون زيارة سريعة.. او رد و اخد كتاب من عالباب أو دردشة مع فنجان قهوة..
شخصيتها الحلوة عملت عندي فضول اسألها عن حياتها أكتر..
سألتها.. شو مخليها بالبلد و ولادها برا؟
فاجأتني انها حاملة الجنسية الأمريكية و ما فكرت تطلع..!!!!
" يا بنتي ما بقي بالعمر أكتر من يلي راح.. ما بدي بآخر عمري موت ببلاد باردة.. أنا مكاني هون.. لمعة الامتنان بعيون أم عم تدعيلي بعد ما عالجت ابنها.. بتسوى عندي كتير.. لحظات بتستحق العناء..
قلبك بيصير رقيق لما تسمعي أنين طفل مريض بالتهاب.. كيف لو سمعتي أنينه و هو مصاب برصاص و شظايا؟..
ما قدرت سافر.. ما قدرت.. و انا بعرف انو فيي انقذ روح طفل من خطر و قدم يلي بقدر عليه من مساعدة..
سعادة العطاء لا توصف.."
الله شو فرحت فيها..!
بوجود أمثالها لسه بلدنا عم تتنفس
و تسكب ماء الحب على نار الحرب.. و تتكئ عليهم أيامنا لتواصل طريقها..
بتحاصرنا ظروفنا الصعبة..
بتحبسنا بمحيط واحد.. غرفة وحدة..
أحداث أكبر منا.. ما منملك تغييرها..
بهالوقت.. استسلامنا بيكون موت قبل الموت
منقاوم بشدة..
منتمسك بأطراف حافة الحياة.. بأطراف أصابعنا حتى ما نهوي بقاع الاستسلام و فقدان الأمل..
بعد فترة.. زارتني لينا بالبيت..
استضفتها بغرفتي لناخد راحتنا بالكلام..
الحديث كان شكاية عن ملل الروتين و الخنقة و الشوق للاستقرار.. الخبر الحلو بس كان معرفتي الجديدة بالدكتورة غادة..
عن العالم الحلو اللي عم سافر الو مع هالكتب..
سرحت لينا شوي.. و قالتلي.. " ليه ما بتفكري تعطي ولادك شعور مشابه؟
ريحان.. انتي موجودة حاليا بمحيط واحد.. هو هالغرفة.. ليه ما بتحاولي تعملي فيها محيط جديد؟"
" كيف يعني؟ "
" رح انصحك بتجربة لتخففي عن ولادك و تقضو وقت حلو و انتو جوا هالغرفة..
كل يلي بيلزمك.. قطعة قماش كبيرة.. شرشف.. اي غطا.. علقيه بزاوية الغرفة بشكل خيمة
.. زينيه بأي طريقة بسيطة..
بتدخلي الها انتي و ولادك.. بتحكيلهم فيها قصص.. رووح قلبهم الولاد يسمعو قصص و حكايا تحرك خيالهم الواسع
تفرجي جواتها معهم على شي فيلم.. مقاطع مضحكة.. صور حلوة..
عم يشوفو بيومهم صور مؤذية.. و يسمعو مفردات كلها حرب و قتل و خوف.. لازم نقابلها بصور معاكسة.. تلفت انتباههم لشي حلو موجود بهالدنيا..
ما فينا نطلع حاليا من هالمحيط..
لكن فينا نصنع داخله محيط خاص فينا..
صح رح يكون بحجم صغير..
بس فعليا.. هو أوسع من كتير أماكن "
هالفكرة الحلوة من لينا وسعت عليي غرفتي..
الولاد صارو يحسو انهم دخلو لعالم خيالي.. منحكي فيه القصص و منشوف فيه الأفلام و الصور الحلوة..
و احيانا منصير نقرأ فيه بعض الأذكار سوا حتى نشعر بالطمأنينة يلي بيسكبها الذكر عالقلوب..
صرت حارب بهالصور..كل الصور المزعجة يلي عم نشوفها برا..
بعض المرات حس فيها بمفارقات غريبة..
مثلا أصوات الضرب عم تصدح برا..
و ولادي جوا خيمتنا عم يشوفو مستر بين..و يضحكو!!
و مرات اتذكر خيم العذاب يلي عايشين فيها المهجرين.. قسوة العيش جوا خيمة.. اطلع من خيمتنا الصغيرة و قول الحمد لله اني عايشة بغرفة جوا بيت..
نفسيتنا بتتأثر بكل شي عم نشوفو و نسمعو بحياتنا..
أنا ما فيي إلغي الصور السلبية.. بس عم حاول دائما زاحمها بصور إيجابية.. يعني تلاعب بالمساحات يلي عم تشغل فكرنا..
كتب الدكتورة غادة صنعتلي خيمة تانية خيالية.. اهرب فيها من واقعي المتعب.. سافر عبر الزمان و المكان..
خلتني ارجع استمتع بعوالم القراءة يلي كنت هاجرتها من زمان و حابسة حالي بغرفة الروتين اليومي..
فتحتلي بذهني آفاق جديدة و خففت عني كتير..
أفكار لينا و إيجابيتها كمان ساعدتني و دعمتني..
لينا.. غادة.. رح كون ممنونة دائما على معرفتي فيكم..
بشكر الله انو فتحلي من خلالكم نافذة لنسمة فرج و فرح
و بدعيه يفرج عن بلادنا بأهل الخير من أمثالكم
يتبع ..
يتبع ..