ما بعرف ليه المشاكل بتجمع بعضها لتنزل علينا سوا.. متتالية..
ما عم نلحق نفيق من مشكلة و نفكرها أسوأ ما حصل معنا إلا لتلحقها مشكلة أكبر..
خسارة أيمن لصيدليته كانت أقسى شي مر علينا..
بس لما نشوف جنازة شب من حارتنا أو أم أو طفل أو أب.. منصبر حالنا و منقول الحمد لله.. بالمال و لا بالعيال..
في صديق طيب و عزيز على أيمن.. مغترب.. عنده محل صغير بقلب البلد.. بعيد عن بيتنا شوي. . عرضه على أيمن بأجار رمزي.. ليفتحه صيدلية و يوقف من جديد..
ما أحلى لهفة الصديق بوقت الضيق..
العطاء دائما بيضمد الجرح و بيطبطب عالقلوب المكسورة بهالزمن القاسي..
اليوم.. كان أصعب يوم مر عليي..
الوقت كان قبل المغرب بشوي..
تسكرت الطرقات..
و انحشدت بالشارع آليات كتير..
و بلش الضرب بين الطرفين و كأنهم متفقين على ساعة و موعد..
أصوات مو طبيعية.. مخلوطة بأصوات صراخ الناس من بيوتها..
أصوات مروحيات بارتفاع منخفض..
أصوات حجار عم توقع..
ارتفع التوتر فيي لأعلى حد..
حملت شنطة الوراق و الذهب على ظهري..
ضميت ولادي اللي عم يبكو و تخبينا بالحمام اللي ورا باب البيت..
دقات قلبي صارو مليون..
بعدين سمعت صوت الرجال من الجيران عم ينادو بصوت عالي و يدقو عالبواب..
" فتحنا قبو العمارة. لتحت بسرعة.. نزلو لتحت بسرعة...!! "
قفلت البيت و ضميت ولادي و نزلت..
القبو مليان ناس..
من عمارتنا و العمارات اللي بجنبنا..
الأطفال عم تبكي بصوت عالي و الأمهات عم تبكي بصوت مكتوم..
اجت ضربة قريبة كتير منا حسينا الحيطان عم ترج منها..
بعد شوي.. سمحو للناس اللي جوا الحي تطلع لبرا بس ممنوع حدا يدخل..
أيمن عم يتصل فيي و انا مو سامعة صوت الموبايل من الضجة اللي حواليي.. و ذهني مركز اني ابقى مع ولادي و بس...
صار نسبة هدوء شوي.. و بدت بعض الناس تغادر المكان..
لمحتني خالة أم أنس
" يا ريحان !! زوجك مو معك؟ "
" لا "
تعالي معنا تعالي رح نطلع..
مشيت وراها و ولادي قدامي..
بهاللحظة نزل صاروخ هدم جزء من البناء..
انهال التراب علينا و غطى الغبار المكان و انعدمت الرؤيا
و رح يصير معنا شبه اختناق بسبب الغبار اللي استنشقناه..
مشينا كمان شوي و عم اتلمس ولادي..
غزل..
كرم.. اي ماما انا هون..
حلا..
حلا..
وين حلا ؟..
حلااااااا.. حلااااا.. اصرخ بكل قدرتي عالصراخ..
حلا غابت عن عيني و ما عدت شفتها..
خالة بترجاكي امسكي ايد غزل و كرم..
ركضت لورا متل المجنونة..
عم ابكي و اصرخ.. حلااااااا يا حلااااا..
ناداني جارنا..
" اختي بنتك هون تحت الدرج.. "
تعثرت و ما عادت شافتني.. بقيت متخبية تحت الدرج و عم تبكي بصوت أنين منخفض..
حملتها و وقعت على ركبي.. و انفجرت بكاء..
الحمد لله يا ربي الحمد لله..
ضميتها و ركضت باتجاه السيارة..
دخلت معهم جواتها كأني داخلة لمخبأ . لملجأ..
بعد ما تطمنت انو ولادي كلهم معي...
انتبهت لتلفوني عم يرن و في شي خمسين اتصال من أيمن..
منهارة..
مو قادرة احكي..
عطيت الموبايل لخالة أم أنس
طمنتو عنا.. ما كان يصدقها.. ليه ريحان ما عم تحكي؟
حكيت معو بصوت خافت..
ـ كلنا بخير.. تعال لعند أهلي..
تلفتت ورايي.. و شفت عمارتنا كيف عم ينهار جزء من بيوتها..
كيف عم ينهار بيتي..
ذكرياتي..
ألعاب ولادي..
كنت بحالة الصدمة الأولى..
أضعف من اني ابكي..
عم خبي عيون ولادي عن هالمناظر المؤلمة..
كل شي عم نبعد عنه و يصغر..
قلبي تحول لشظايا.. تركت قطعة منه هنيك..
عند الشجرة اللي كنت اتصبح فيها..
عند البلكون و العصافير..
عند وطني.. اللي ما عاد وطني..
كل الطريق و انا عم حاول استجمع قوتي بصعوبة.. و كل شوي امسك ولادي و شوف وجوههم..
كرم رفع راسه و تطلع فيي..
ـ ماما أنا خايف كتير.. عم قول استعنت بالله متل ما قلتيلي.. بس لسه خايف..
انتي قولي كمان استعنت بالله..
ـ استعنت بالله يا ماما.. استعنت بالله..
وصلت لبيت أهلي.. ضموني كأني راجعة من معركة..
لا.. ليه كأني؟ أنا فعلا راجعة من معركة..
أيمن وصل بعدي بدقايق
كان عالحاجز عم يحاول يدخل لعنا و ما قدر..
وجهه أصفر.. كمان ضمني و ضم ولاده
ماما عم تطبطب علينا..
" يا حبايبي الحمد لله على سلامتكم.. الحمد لله انكن بخير.. كل شي بيتعوض يا ماما.. استهدوا بالله.. "
بقينا ساكتين.. مصدومين..
لتاني يوم الفجر..
صلينا سوا.. و شي من الرضا و السكينة انسكب على قلبي.. ألف بيت يروح و لا قطعة من ولادي..
الحمد لله..
غزل كانت صاحية..
بعيونها دمعة و حكي..
" ماما..
ليه الله هيك عمل فينا ؟ ليه هيك عمل بالبلد؟ "
" لا يا ماما..
الحرب من صنع البشر.. القبح من صنع البشر.. و الشر فعل الشيطان..
الله مو راضي أبدا عن هاد الظلم.. و لا راضي عن القتل و إيذاء الناس و تخويفهم..
رح يجي يوم القيامة و يحاسبهم كلهم.. على كل خوف وظلم و أذى..
لا تصدقي أبدا انو ربنا راضي عن هالعذاب..
هو الرحيم.. أرحم فينا من أهلنا.. و من كل الناس "..
يتبع...