5/04/2016

مذكرات عائلة ٢ (٤)

 مذكرات عائلة ٢ . 4 . 

صحبتي مع سلمى أيام المدرسة كانت كتير عادية.. زميلات بمدرسة وحدة.. أكبر همّ و مسؤولية بحياتهن يتجاوزو السنة الدراسية بمعدل جيد.. 
بس بعد ما صرنا جيران.. و تشاركنا أوقات كتير.. و تقاسمنا الفرح و الخوف و الحزن.. و انسندنا على بعض بالأوقات الصعبة.. صرنا أكتر من اخوات.. 
اليوم بتحكي معي على التلفون لتقلي.. : 
ـ " ريحان.. زوجي من فترة عم يفكر بالسفر.. بس بعد اللي صار ببيتنا مبارح.. اخد الخطوة بجد.. قرر يبيع البيت.. و نرجع للخليج بما انا لا زلنا محافظين على إقاماتنا .. يعني يمكن بأقل من شهر نكون مسافرين..
المهم..  انا بدي اكسب شوفك أكتر وقت ممكن.. 
تعالي لعند أهلي.. جايين ولاد اختي كمان.. بيفرحو الولاد سوا " 

رحنا لبيتهم على الموعد.. شافت ملامحي الدبلانة.. 
" ريحان.. ابتسمي.. بدنا نلاعب الولاد.. خلي جو البيت غير جو الشارع "
"  طيب :) "

رح نلعب ألعاب التحمل.. 
روان خدي الدفتر .. انتي الحكم.. رح تسجلي النقاط.. 
و الفائز رح ياخد جائزة  
لعبنا أكتر من لعبة.. 
مين رح يقدر يحمل أكبر عدد من الكتب و يوصلهم من أول الغرفة لآخرها.. 
مين رح يقدر يقفز و هو حامل صحن الكرات بدون ما يوقعهم.. 
مين رح يقدر يبقى واقف على رجل وحدة أطول وقت ممكن.. 
و بعد الضجيج.. مين رح يقدر يبقى ساكت بدون ما يضحك 

و بعد النتائج طبعا ما بيكون الكل رضيان.. و صارو يشككو بنزاهة الحكم ☺.. عملنا جوائز ترضية صغيرة.. اكسسوارات لشعر البنات.. و أقلام تلوين للصبيان.. 
قضينا وقت حلو.. الولاد اختبروا قدراتهم استمتعوا بالمنافسة.. و انا كمان غيرت جو معهم و تسلينا كتير.. 

سلمت عليها عند الباب.. 
ـ " قديه رح اشتقلك يا سلمى..؟  و اشتاق لهالأوقات الحلوة   "
ـ" و أنا رح اشتقلك أكتر.. و رح نبقى متواصلين ان شاء الله "

مبدعة هالدنيا باختيار الناس اللي بتبعدهم عنا.. ما بيلحقو الأحباب يتجمعو ليرجعو يتباعدو و ليكمل كل واحد فيهم بطريقه.. 

بطريق الرجعة للبيت.. عم اتأمل الشوارع.. المحلات.. الحارات.. وجوه الناس.. 
عايشين كلنا بجو توتر.. جو ترقب.. شو عم يصير؟  و شو بدو يصير ؟ شو نشرة الأخبار المفصلة.  ما عم نكتفي بالموجز.. 

ناس كتار اللي بدت تجمع غراضها و ذكرياتها بالشنط و تسافر.. 
و في شي سافر من بلدنا قبل ما يسافرو أهلها.. سافرت بهجتها.. سافر دفاها.. صارت باردة بعز الصيف.. شاحبة.. منهكة.. 

سافرت كتير أشياء.. 
بس لا بد لكل مسافر يرجع لبلده مهما طال السفر.. 

المسا.. اجا أيمن لبيت أهلي.. خبرني انو تصلح الشباك.. و فينا نرجع بكرا للبيت
ـ " طيب منيح.. ليه زعلان.؟" 
ـ " منطقة بيت اخي محاصرة.. و الاشتباكات فيها ما عم توقف.. قاعدين بهالفترة عند أهلي.. خبرني اليوم انو عم يشتغل بأوراق الهجرة لكندا .. بتعرفي امي قديه متعلقة بولاده.. لهيك متدايق شوي.. بس الله ييسرله الخير.." 
ـ" آمين.. شي مؤسف ..
 و انت.. عم تفكر تسافر شي ؟ "
ـ"  انشالله بتهدى الأوضاع و ما منحتاج.. و امي بيكفيها غربة ولد واحد "

بلادنا عم تصرخ.. و الدول حوالينا عم تلعب لعبة مين بيقدر يبقى ساكت أطول وقت.. 
مين بيقدر يغمض عيونو و يضل أعمى لأطول وقت.. 
مين بيقدر ينهب أكبر قدر ممكن من خيراتها.. 
و أنا..  أهون عليي ابقى واقفة على رجل وحدة سنين.. و لا اني انحرم منها.. و لا شوف حدا من حبايبي فيها صايبه مكروه.. 
بس للأسف.. الدنيا ما بتمشي على هوانا.. 
و نحنا الكبار عم نلعب ألعاب التحمل.. اللي عم تصير فوق قدرتنا على التحمل.. و بدون جوائز.. إلا من رحمة رب العالمين و تعويضه لصبر الصابرين.. 

يتبع.... 

نور الاشقر