مذكرات عائلة 2
سليم.. كان أول جريح بالرصاص بشوفه بحياتي.. و للأسف ما كان الأخير..
و مواقف الخوف اللي شفناها بهالسنة فكرناها أسوأ شي ممكن نشوفه.. و للأسف.. ما كانت إلا بداية..
من زمان.. أسئلة ولادي كانت سهلة عليي كتير..
أسئلة بسيطة " ماما مين بتحبي أكتر؟.. انتي عن جد كنتي صغيرة متلنا.؟ و ليه الإنسان ما بيقدر يطير ...؟" و هكذا..
أسئلة سهلة..
أما بعدها... صار كل سؤال منهم يعمل بقلبي غصة.. يخليني افتح دفاتر أفكاري.. و دور عالكلمات و ما لاقيها..
" ماما شو يعني قصف ؟ شو يعني مندسين؟ شو يعني حظر جوي؟ يعني ما فيي صير طيار ؟
شو يعني نزوح.؟ شو يعني لاجىء؟
ليه العالم عم يتقاتلو؟ صح لازم نعاقبهم و نقعدهم على كرسي المشاغبين؟ "
كمية مفردات دخلت لحياتنا و حياة ولادنا.. لو سكتناها من التلفزيون.. رح يسمعوها من الناس و يشوفوها بالشارع
و عن شو بدك تجاوبي يا ريحان لحتى تجاوبي.. :(
و كيف نشرح الحرب لعالم الأطفال البريء؟
بعد كم يوم..
غزل بتسمع والدها لما خبرني عن اعتقال جارنا أبو سليم..
بتجي عالمطبخ و بتسألني..
ـ " ماما شو يعني اعتقال ؟ "
ـ " حبيبتي يعني لما حدا بيعمل عمل شرير بتجي الشرطة بتحبسه ـ بتعتقله ـ لحتى يتعاقب على عمله "
بتستغرب !! و بيطلع من عيونها علامات تعجب
ـ " ماما يعني عمو أبو سليم شرير " ؟؟!!!
ـ شو احكي " لا ماما مو شرير.. أحيانا بيصير خطأ أو تشابه بالاسم.. خلص حبيبتي لا تفكري بهالموضوع
يلا رح رتب المطبخ و نروح لعند خالة سلمى تلعبو مع ولادها و نريح بابا شوي من ضجيجنا ☺"
دخلت عند سلمى.. شفت بجنب الباب بوكسات كرتون كبيرة فيها ملابس أطفال..
" اجيتي بوقتك ريحان.. هدول تياب من معملنا لأصحاب الحاجة.. بدي تساعديني بفرزهم.. زوجي رح يتأخر اليوم بشغله.. لهيك معي وقت أكتر.. "
" العيلة اللي نايمة بالمسجد.. بنتين و صبي.. اكتبي عالكيس..
أم محسن اللي نايمة بعيادة جارنا.. بنتين.. "
و أثناء شغلنا..
صار الموقف المرعب..!
صوت انفجار .. صوت تحطيم الزجاج.. صوت صراخ الولاد..
ركضنا لغرفتهم
كلهم منبطحين عالأرض و عم يبكو..
سلمى عم تبعدهم عن مكان الزجاج المكسر و تتأكد انو ما حدا انجرح..
أيمن عم يخبط عالباب " فتحي الباب ريحان فتحي الباب !! "
فتحت بإيدي اللي عم ترجف .. كان وجهه أصفر.. ــ أو كلنا وجوهنا صفرا.. ــ عم يلهث و خايف أكتر مني
ـ " انتو بخير؟ كلكم بخير؟ "
ـ " الحمد لله.. الحمد لله.. كلنا بخير "
ـ " شباك غرفة الولاد كلو تحطم.. الحمد لله ما كانو بغرفتهم .. تعالي خدي من البيت كم قطعة تياب تكفيكم يومين.. رح آخدكم لعند أهلك.. نامي عندهم اليوم و بكرا بركب شباك جديد.. "
ـ" بدنا نوصل سلمى معنا.. زوجها بالشغل.. "
ـ" طيب يلا بسرعة "
و نحنا بالطريق بتسألني غزل..
ـ " ماما.. اليهود وصلو لعنا .؟ "
ـ " ااه يا حبيبتي.. لا مو يهود.. في كتير ناس أشرار مو بس اليهود.. هلأ خلينا عم نطمن قلبنا بالدعاء.. لأن القلوب بتطمئن بذكر الله.. صح يا حلوة..؟ "
أفكار غريبة تخطرلي..
معقول رح نحسد أهل فلسطين انهم متفقين مين عدوهم؟
و ما صارت بينهم الفرقة اللي صارت بيننا؟
ما تفرق الجار عن جاره
و لا الأخ عن أخوه
و لا الزوج عن زوجته
و لا خوّن الصاحب صاحبه..
و لا تفرقو القرايب بعد عشرة السنين
كنا نفكر انو ما في شي بيدمر رابطة الدم و الصحبة و الذكريات..
بس طلعت الحرب أقسى و أبشع مما نتوقع..
يتبع..
نور الأشقر