5/04/2016

مذكرات عائلة ٢ (٢)

 مذكرات عائلة 2 
سليم..  كان أول جريح بالرصاص بشوفه بحياتي.. و للأسف ما كان الأخير.. 
و مواقف الخوف اللي شفناها بهالسنة فكرناها أسوأ شي ممكن نشوفه..  و للأسف.. ما كانت إلا بداية.. 

من زمان.. أسئلة ولادي كانت سهلة عليي كتير.. 
أسئلة بسيطة " ماما مين بتحبي أكتر؟.. انتي عن جد كنتي صغيرة متلنا.؟ و ليه الإنسان ما بيقدر يطير ...؟" و هكذا.. 
أسئلة سهلة.. 

أما بعدها... صار كل سؤال منهم يعمل بقلبي غصة.. يخليني افتح دفاتر أفكاري.. و دور عالكلمات و ما لاقيها.. 

" ماما شو يعني قصف ؟ شو يعني مندسين؟ شو يعني حظر جوي؟ يعني ما فيي صير طيار ؟ 
شو يعني نزوح.؟ شو يعني لاجىء؟ 
ليه العالم عم يتقاتلو؟ صح لازم نعاقبهم و نقعدهم على كرسي المشاغبين؟ "

كمية مفردات دخلت لحياتنا و حياة ولادنا.. لو سكتناها من التلفزيون.. رح يسمعوها من الناس و يشوفوها بالشارع 
و عن شو بدك تجاوبي يا ريحان لحتى تجاوبي.. :( 
و كيف نشرح الحرب لعالم الأطفال البريء؟ 

بعد كم يوم.. 
غزل بتسمع والدها لما خبرني عن اعتقال جارنا أبو سليم.. 
بتجي عالمطبخ و بتسألني.. 
ـ " ماما شو يعني اعتقال ؟  "
ـ "  حبيبتي يعني لما حدا بيعمل عمل شرير بتجي الشرطة بتحبسه ـ بتعتقله ـ لحتى يتعاقب على عمله "
بتستغرب !!  و بيطلع من عيونها علامات تعجب  
ـ "  ماما يعني عمو أبو سليم شرير   " ؟؟!!! 
ـ شو احكي  " لا ماما مو شرير.. أحيانا بيصير خطأ أو تشابه بالاسم.. خلص حبيبتي لا تفكري بهالموضوع 
يلا رح رتب المطبخ و نروح لعند خالة سلمى تلعبو مع ولادها و نريح بابا شوي من ضجيجنا ☺" 

دخلت عند سلمى.. شفت بجنب الباب بوكسات كرتون كبيرة فيها ملابس أطفال.. 
" اجيتي بوقتك ريحان.. هدول تياب من معملنا لأصحاب الحاجة.. بدي تساعديني بفرزهم.. زوجي رح يتأخر اليوم بشغله.. لهيك معي وقت أكتر.. "

" العيلة اللي نايمة بالمسجد.. بنتين و صبي.. اكتبي عالكيس.. 
أم محسن اللي نايمة بعيادة جارنا.. بنتين.. "

و أثناء شغلنا.. 
صار الموقف المرعب..! 
صوت انفجار .. صوت تحطيم الزجاج.. صوت صراخ الولاد.. 
ركضنا لغرفتهم
كلهم منبطحين عالأرض و عم يبكو.. 
سلمى عم تبعدهم عن مكان الزجاج المكسر و تتأكد انو ما حدا انجرح.. 
أيمن عم يخبط عالباب " فتحي الباب ريحان فتحي الباب !! " 
فتحت بإيدي اللي عم ترجف .. كان وجهه أصفر.. ــ  أو كلنا وجوهنا صفرا.. ــ عم يلهث و خايف أكتر مني 
ـ "  انتو بخير؟ كلكم بخير؟ "
ـ "  الحمد لله.. الحمد لله.. كلنا بخير "
ـ "  شباك غرفة الولاد كلو تحطم.. الحمد لله ما كانو بغرفتهم .. تعالي خدي من البيت كم قطعة تياب تكفيكم يومين.. رح آخدكم لعند أهلك..  نامي عندهم اليوم و بكرا بركب شباك جديد.. "

ـ"  بدنا نوصل سلمى معنا.. زوجها بالشغل.. "
ـ"  طيب يلا بسرعة  "

و نحنا بالطريق بتسألني غزل.. 
ـ "  ماما.. اليهود وصلو لعنا .؟ "
ـ "  ااه يا حبيبتي.. لا مو يهود.. في كتير ناس أشرار مو بس اليهود.. هلأ خلينا عم نطمن قلبنا بالدعاء.. لأن القلوب بتطمئن بذكر الله.. صح يا حلوة..؟ "

أفكار غريبة تخطرلي.. 
معقول رح نحسد أهل فلسطين انهم متفقين مين عدوهم؟ 
و ما صارت بينهم الفرقة اللي صارت بيننا؟ 
ما تفرق الجار عن جاره
و لا الأخ عن أخوه
و لا الزوج عن زوجته 
و لا خوّن الصاحب صاحبه.. 
و لا تفرقو القرايب بعد عشرة السنين 
كنا نفكر انو ما في شي بيدمر رابطة الدم و الصحبة و الذكريات..  
بس طلعت الحرب أقسى و أبشع مما نتوقع.. 

يتبع.. 
نور الأشقر